29‏/05‏/2012

في لقاء مع الشمس





في لقاء مع الشمس 


 تتكئُ الشمسُ بيدِها اليُمنى على رأسِ جَبل ...
تنظرُ إليهِ ... صوبَ عينيهِ ... وترمِيه بالقُبل ..
وعلى جبينِه أثرُ احتراقِ أشعتِها ...

فتمسِّدُ عليهِ بنفحاتٍ من وجَل ...

فيصادفُ أن يمُر بجانبِه موكبٌ من عناقيدِ العنَب ...
يتوقفُ من بعيدٍ ويعتصِر ..
صارَ خمراً على شفاهِ الشمسِ ...
ترطبُ فيهِ ما أحرَقتْ بخجَل ...

وتزحفُ فروعُ الياسمينِ ...
تناظرُ الشمسَ ببرائةِ الأبطالِ ...
فترفعُ رأسَها تتلوَّى ...
و في جديلة تصنع اكاليل أمل ...

والغيمُ الأبيضُ يركضُ يخيطُ ثوباً أبيض ...
يطرزُه بقطرِ الندَى على مهَل ...

والحمائمُ تُهديه أجنحةً ..
كي يطيرَ للشمسِ على عجَل ... 


 
في 280512  

عود قصب



عـــود قـــصب


وعود ُالقصبِ تأرجح في الهواء ...
فرمى الغيمةَ بحجرْ ...

هطلت مطراً يُندي الفُؤاد ...
و يُجلي عن القلبِ الضجرْ ...

الروحُ تلعبُ بالربيع ...
تصلي في محراب القمرْ ...

و القصيدةُ لا تزالُ في أول بيت ...
لم نبنِ بعدُ لها جدراناَ من زهِر ...

و في الأصيصِ زوجُ حمامٍ بريٍ ...
وضع في البيض الخبرْ ...

يرقدُ عليه و أنا خائفةٌ...
أحتاجُه .. هيا فلينزلِ المطرْ ...

في 270512    


22‏/05‏/2012

إليكَ يا سيدَ حرفِي وإنتمائِي



إليكَ يا سيدَ حرفِي وإنتمائِي




ما علمتُ أنني سأحبُّ رشفةً نمت يوماً ما في فناءِ قلبي ...
وحين أحببتُك ما إستطعتُ تعلُّم طريقةٍ لنزعِ فتيلِ جذورِها ...
يا سيدَ الحرفِ في لُبِّ القلبِ المُنتمي في كلِّ أجزائِه إليك ...
أتُراك تُدركُ كم من المداراتِ سافرتُ بِها ؟ ...
وكم من المذَنباتِ تعلقتُ بأذيالِها ؟ ...
وكم من الشموسِ أحرقتنِي سطوةُ نيرانِها ؟ ...
وبعدَ أن حطَّت رحالُ مملكتِي في تربةٍ حمراءَ سبِخة ...
اكتشفتُ بأنَّني كنتُ أُحاولُ أن أنثُرك في دمِي ...
ترتشِفَه لتعيشَ في عُروقي بِه ...

في 210512     









05‏/05‏/2012

حي السبعينيات ... الجزء السادس


حي السبعينيات

الجزء السادس




~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

اجهشت ريحانة بالبكاء ،، لكن المحقق كمال حاول تهدئتها ،، مخرجاً لها ورقةً مجعدة ،، ويقول :
هذه كانت تحت سريرك آنستي !!! ...
توقفت ريحانه عن البكاء .. ورفعت رأسها فجأة محاولة التقاط الورقة من المحقق .. الا ان المحقق فتح الورقه وبدأ يقرؤها بصوته ،
(( قرأت فيما قرأت ان للغبار فائدة كبيره .. فهو يقتل كل الجراثيم التي تلفظها الأرض عن نفسها في فترات تقلب الفصول .. فتصيبها في مقتل إما في العين .. او الرأس .. أو ... أو ...
وقد بدأ فصل الربيع عندي ويجب ان أنفض عني جزيئات جمه .. وانتقم لموتك يا والدي ...
يجب ان اقتله واريح قلبي المجهد من خوف لا يزال يطاردة ، كلما أطل علي هذا الـ .... من تلك الزواية ..
كم هو مقزز ... مسرف في التعالي علي ... وكأنه ينتقم مني كلما أطل برأسه ، واغتصب مني دمعي ...
لكنني اشعلت الشموع والبخور كي يرحل !! ... ماذا يريد مني أيضاً ... أو تُراني باحتلالي لهذه الغرفه ، اغتصبت موطنه الذي كان يلجأ إليه بعد ان يلوث اجزاء البيت كاملة بقدمية ، وينشر الطاعون في غذائنا ...
هذه هي ليته الأخيرة هنا ... سئمت من خوفي .. لقد وجب علي ان أقتل خوفي وأقتله ))





ابتسمت ريحانة وهي تقول .. نعم لقد قتلته .. قتلت خوفي الذي لازمني منذ ان دخلت هذا المنزل ... ثم انفجرت ضاحة وهي تقول ..
لم اكن اعلم ان هذه الورقه ستكون سببا في ادانتي وتحميلي وزر غياب السيد توفيق ...
طأطأت برأسها ووضعت يديها بين فخذيها ، وبصمت استدركت ماكانت تتحدث به :
أفرد لي السيد توفيق تلك الغرفه .. وفي الليل استيقظت على عينين تتطايران شرراً تروح وتجيء تتمشى على حافة السريري ، فحسبت والدي بعث لي بالشيطان كي يقتلني ...، نهضت باكية خائفة لا استطيع الصراخ .. وكأن حبالاً قيدتني إلى السرير الذي انام فيه ..
ثم اخذَت هذه العينين تتقدم إلي بخطاً ثابته لا تردد فيها ..
شيء ما أوقعني ... ربما هي قدماي اللتين تحركتا بدافع الخوف المحض ، فانطلقت وقلبي يغادر أضلعي الى مقبس الضوء كي انير الغرفه ... وبسرعةٍ إلتفتُّ الى السرير ، لكنني لم أجد شيئاً ، فوقعت على الأرض منتحبةً باكية ألوم أبي ، وأسأله لماذا فعل بي هذا ؟ ... ما الذنب الذي اقترفته ؟ ،،
 وهكذا بقيت طوال الليل اجلس في زاوية الغرفة متوجسة خيفة أن يعود الي ذلك الشيطان ،،





بقيت على هذا الحال ثلاثة ايام ، كلما اطفأت ضوء الغرفة انتظر نومي كي يأتي إلي متلذذاً بنكهة الخوف التي تفوح من عينيَّ حين اراه .. واركض الى القابس ... إلا انني بعد ذلك قررت ان اتعرف بذلك الشيئ الذي لا يعرف الرحمه ... فبقيتُ طوال الليل مستيقظة في زاوية الغرفة انتظر ظهوره ،، كي اكتشف انه فأر كبير .. حين رآني قد اشعلت الضوء ركض الى جحره ،،



لم استطع البوح لأحد عن سر هذا الفأر .. فقد خجلتُ من ذلك الرجل الذي حماني وخفت أن أزايد عليه في حَملِ هم آخر لي ..
لكن خوفي من الفأر لم يتوقف بمعرفتنا الشخصية ببعضنا ، فقد ازدادت حدة عدائنا بعد ان اتى ذلك اليوم الذي علمت فيه ان ابي توفي اثر عضة فأر ... وأضمرت الإنتقام لوالدي ولخوفي ...
كم من الشوكِ يصلُ أجسادَنا حين نُمسِك بثمرةِ الصبار ... لكنَنا في النهايةِ يجب أن نحصُل على لُبِّها العسلِيّ ...





أخذ نصار يطوف في حديقة المنزل ، ثم جلس على الأرجوحة يتأمل النرجس ، شارد الذهن مبتسماً .. يحدث قلبه بأحاديث لا يسمعها سواه ..
بعضٌ من الساعةِ مرت ونصار على هذا الحالْ ، قبل ان يقف منتفضاً .. يردد ( كيف غابت هذه عن ذهني ؟ )
... ويركض الى خارج المنزل متجهاً إلى نهايةِ الشارع ... كي يقف امام ابي هشام بائع الورد يسأله وهو يلهثُ ..
(يا عمي هل مر والدي بك قبل بضعة أيام ) ..
نظر ابو هشام على نصار مبتسما ... نعم يا ولدي .. وكانت علامات السعادة تخط في وجهه طريقها ، ثم اخذ كل زهور النرجس التي لدي واتجه كما العادة غربا
لم يعتد السيد توفيق على اتعاب حنجرته بالأحاديث المطولة .. فابتسامة واحدة منه كفيلة بأن تحدثنا بألف قصه  ...






غربا !! ... حيث ترقد امي ... لم يزر نصار بيت الأموات - هكذا كان يسميه - منذ ان توفيت والدته .. كان يخاف منه ... ويحس بالفزع كلما تذكره .. فلقد اختطفها الموت وأسكنها بيته ، ولم ينعم بحضنها كباقي الأطفال في سنه .. ولأول مره سيخطو باتجاه الغرب ..
حين نجبر على السير في طريق كنا نراه مظلما.. مخيفا ، نكون كطفل تعلم المشي حديثا ... فنمشي خطوة ونقع الف خطوة  ... لكننا نجاهد في المسير لأننا خفنا من امتداد الظلام الى باقي مملكتنا ...
بدا نصار مترددا في بادئ الأمر،  الا ان مرام التي سارت خلف زوجها بدأت  تشد على يده وتخطو معه أولى خطواته الى الغرب ...
توقف نصار على باب المقبرة ... ثم نظر الى مرام قائلا :
على باب المقابر تكمن الرهبة الحقيقية ... فإما ان نكمل المسير او نقف متسمرين في مكاننا ...





نظر الى داخلها ... قلبه ينادي امي اين ابي ؟ .. هو لا يسمع صوتا .. فقط صوت الهواء يخترق آذناه ( اشتقتك ) ... ودموع الفراق تجرح وجنتاه ... وشيء ما يدفعه الى الأمام .. لكنه يعود الى الخلف ...

تقدم منه رجل كبير في السن .. وكأنه قد استحم ببعض الغبار .. وفي دخيلة نصار رجفه .. ( أهو احد الأموات الذين خرجو من قبورهم ؟ )
- انا الحانوتي يا ولدي ... ماذا تريد ..
جمع نصار ما تبعثر من صوته ، وسأله عن قبر امه .. فتبسم الحانوتي قائلا .. أأنت ابن ذلك الرجل صاحب البنفسج ؟ ... يحق لك ان تفخر بوالدك يا ولدي .. لقد حضر قبل ايام الى هنا وغمر القبر بورد البنفسج وجلس يتحدث اليه ساعات طوال على غير عادته ، ثم خرج ...



أخيراً اتت نصار الشجاعة على صهوة جواد ابيض مجنح - هو شوقه لمن حملته في احشائها تسعة اشهر - .. وقف امامه كي يمتطيه مع مرام ويتقدم .. تتسارع النبضات متعالية بصوتها كطبول الحرب ..
وقف امام القبر صامتاً ... شفتان مرتجفتان ... عينان تدمعان .. وجه شاحب ... ساقا رجل تجاوز المئة عام ...
نزل جاثيا على ركبتيه ممسكاً تراب القبر ... يعاتبه في صمت - انت اخذتها مني -
وضعت مرام يدها على كتف نصار وجلست بجانبه تتمتم بالدعاء وبعض الآيات بصوت يسمعه هو ... فيتسربل همه الى قلبها ويردد معها تمتماتها ...


يتبع ...   


الثريا   

21‏/04‏/2012

رنين أمل




أمــــل






بين لحظاتٍ من الإنكسارِ اللامتناهي في الوجع ..
وعذابات النفس الأمارة بالهوى ..
وشرودِ الذهنِ الذي يرتقي سُلمَ اللاوعي ..
ودموع العينينِ المالحةِ التي تنزلُ بصمتِ الملائكة ...
ووهن الجسمِ الذي يُلقى على قارعةِ السريرِ كقطعةٍ من القماش لا حول لها ولا قوة ..
تتمتم الشفاهُ بكلماتٍ لا يستطيعُ أحدٌ سماعَها سواه ..


يــــــا رب ...





210412 @ الثريا   





18‏/04‏/2012

حي السبعينيات الجزء الخامس




حي السبعينيات الجزء الخامس



إلتفت نصار الى باب المنزل .. ورفع ظهره المنحني .. محاول طمأنة نفسه قائلا .. سيعود كل شيء كما كان بل افضل ..
طرق البابَ ليفتح له ابو ربيع باب المنزل قائلا حمداً لله على سلامتك يا سيدي ...
هز نصار رأسه .. ومضى .. حيث استقبلته ام سعيد قائلة .. اتشرب فنجاناً من القهوة يا سيدي ام انك يجب ان تصعد غرفتك فترتاح قليلاً ...
نظر إليها نصار صامتاً ... محتاراً ... شارد الذهن .. فهو يرى حركة شفاه ام سعيد فقط ... لكنه يحاول استرداد ذبذبات صوتها بسؤاله عن زوجته ..
طمأنته ام سعيد بأن مرام نائمة الآن في غرفتها ، تحاول نيل قسط من الراحة ..
اتجه نصار الى الطابق العلوي ، ثم طرق باب غرفة مرام ودخل .. صمت مطبق على المكان .. وضع رأسه على صدرها محاولاً اغلاق عينيه عله يدخل في اغمائة يستيقظ بعدها ليجد والده بجانبه .



دخل وقت المغرب .. واستيقظ نصار على همس زوجته بأن ينزل إلى غرفة الطعام كي يأكل ، فهو لم يذق الطعام منذ البارحه .. احضرت ريحانة قدر الحساء كي تسكب منه في صحن نصار ... فرفع نصار عينيه مندهشاً وبدأ يتأمل وجه ريحانه ..
لم تستطع ريحانة الوقوف طويلاً  ، فأصابتها إرتعاشة جعلت من دموعها المختنقة تندفع كشلالاتِ نياجرا ، وخرجت تركض من الغرفة .
التفت نصار الى مرام متسائلا عما يحدث هنا ..
 قالت مرام : لقد سألت ام سعيد ،فقالت ان والد ريحانة قد اضاع ماله وبيته في القمار والخمر، ثم اتفق مع احد الدائنين ان يزوجه ابنته مقابل ان يتنازل عن دينه ، لكنها هربت الى منزل عمي ، فاحتضنها ومنع اي احد من الإقتراب منها ... وبعد وفاة والدها بيع منزلها للدائنين فبقيت في المنزل تعمل ، وتحاول اتمام دراستها .



هز نصار رأسه وهو ينظر إلى صورة والدة المعلقة على الجدار -  وحزن عميق قد زاد في قلبه الوجع -  ثم اخذ الملعقة وسكب لنفسه .
 مسكينة تلك الفتاة .. لقد احبها رائد كثيراً .. لكن والدها رفض تزويجه لها .. فأضاع كل منهما الآخر ،  وهاهي تعود إلى منزلِنا ولكن رائد لم يعد فيه .. كم أُشفق عليها..
اتذكر رائد وهو يتسلل خلف المنزل حافي القدمين ، يحمل حذاءه تحت إبطه ، ويصعد على السلم الخشبي فيتحدثان من فوق الأسوار .. في ساعات الفجر الأولى ، وقبل أن يستيقظ والدُها ،، كان أبي يعلم ،، ويتصنع الجهل بهذا وهو يبتسم ،،،
ابتسمت مرام وهي تقول .. اتذكر حين اتانا السيد نبيل غاضباً ، يطرق الباب بقوة افزعت كل من في المنزل ؟..
وخرج له عمي ، مكفهر الوجه يسأله عن سبب صراخه ، فقال :
احد اولادك يا سيد توفيق وضع حذائه فوق سور منزلي ، فما هذا الإحترام والأدب الذي يقطر منهم؟ ،
حينها صمت عمي وحاول كظم غيظه ، ثم ابتسم قائلاً ، انا اعتذر نيابة عن اولادي ، ولكن ما ادراك انه لأحدهم  ..
-       لقد وجدته على الحائط الذي بيني وبنك .. ولا اظن ان احداً يسكن غيرك هنا ..
فأعاد عمي الإعتذار له ودعاه ليشاركه فنجان قهوه ، وبعد خروج السيد نبيل ، توجه عمي إلى غرفة رائد حيث كان مختبئا يدعي الدراسه ، وأغلق الباب عليهما ...
ضحك نصار حينها وقال نعم .. واخذنا نسترقُ السمع أنا وأنتِ من خلف الباب دون جدوى .. لقد كان صوتهما خافتا جداً .. ورغم محاولاتي مع نصار كي يقول لي ما جرى بينه وبين والدي .. إلا انها كانت كلها تبوء بالفشل ... 



قاطعت ام سعيد نصار وهي تقول : اعتذر يا ولدي ولكن ذلك المحقق كمال والرجل الآخر قد عادا ثانية .
انتصب نصار عن كرسية واقفا ثم خرج من الغرفة متجها الى غرفة الإستقبال مسرعاً ، يتضرع الى الله ان يكون المحقق وصل لشيءٍ ما ..
-       اهلا بك سيدي المحقق ، طمئني هل وصلت الى شيء
-       يبدو ان رائد لم يخرج من الولايات المتحدة الامريكية ابداً ، لأنه إلى الآن لم يتم العثور على اي مشتبه به يحمل اسمه او أياً من صفاته ، وقد احضرت اذنا بالبدئ بالتحقيق وابتداء التفتيش في منزلكم .
-       نعم يا حضرة المحقق ابدأ منذ الآن ارجوك ، نحن بخدمتك
احضرت ريحانه القهوة وقدمتها للمحقق كمال ، كانت يداها ترتجفان وكأنه قد اصابها مرض ما ، فانسكبت القهوة على بنطال المحقق ، الذي انتفض مبتعدا ، فلم يتأذى من القهوة سوى الجزء السفلي من البنطال .
اخذت ريحانة تحاول الإعتذار عما بدر منها وركضت الى المطبخ كي تأتي بما ينظف الأرض ، واما عن المحقق فقد استدرك ما حدث بسرعة قائلا لم يحدث شيء دعونا نكمل ... ناظراً الى الملازم اديب كي يتصل بعناصره الموجودين في الخارج ويأمرهم بالدخول ،
بوجود عناصر الشرطة امام المنزل تبدد الهدوء الذي كان يسكن اروقة حي السبعينيات ودخلت القلاقل الى الأفواه مع انتشار للخبر بسرعة البرق ، وإضافة بعض من التوابل الهندية الحارة عليه طبعاً ،،
طلب المحقق كمال من سكان المنزل الخروج الى الحديقه كي يستطيع التفتيش بهدوء ودون تدخل احد ...
وبين الفينة والفينة كان يستدعي احد افراد المنزل ... كي يبدأ التحقيق معه ..
لم تزد ام سعيد على ما قالته في اول مرة شيئاً ، ولم يتغير كلام ابو ربيع ابدا  ..
حين تمر بحياة الإنسان مأساة ما ... فإنه يعاني امرين .. اما السبات مع اصحاب الكهف سنين ... او العيش في سماء ادريس الرابعه ...
استدعى المحقق كمال ريحانة كي يبدأ الحديث معها ... لكن ريحانة كانت طبول قلبها تقرع ..
حاول المفتش كمال ان يبعث في روحها الطمأنينه لكن دون جدوى ..



قاطعت محاولاته وقالت :
كان السيد توفيق اباً حنونا جداً علي ، بعكس ابي الذي اتيت من نسله ، وحين كنت صغيره كنت احب رائد كثيراً ، وأرى فيه نسخة والده ، وأشم رائحة الحنان الذي غرسه في ابنائه ... وحين كبرنا اتفقنا انا ورائد على الزواج ، ولكم كانت سعادتي حين كانت تمر من امامي ملامح ايامي القادمة في بيت السيد توفيق ، وفي وسط حديقة ازهاره ، إلا ان ابي قتل هذا الحلم في قلبي ، ورفض زواجي برائد رفضاً قطعياً ، ولم يتقبل اي محاولات من السيد توفيق في جمعي بإبنه
في بيتنا يا سيدي يمنع النقاش منعاً باتاً ، وما يقرره ابي هو ما سوف يحدث ... في بيتنا لا وجود لصندوق المقترحات ،  ولكن يوجد الكثير من سلال المهملات ..
في بادئ الأمر كان يتعلل بأنني يجب ان اكمل دراستي واساعد امي .. لكنه انقلب علي بعد وفاة أمي بيومين وكأنه كان ينتظر هذه اللحظه ، فمنعني من الجامعه ، ومن ثم أبرم اتفاقاً على بيعي لرجل يكبرني بكثير مقابل ان يسامحه بما يدين له به ويعطيه مبلغا من المال ،

ولم يكن امامي من حل سوى الهروب الى منزل السيد توفيق ، الذي حماني بعد ان  أن أبلغ المركز الأمني عنه وعن افعاله ، فتحررت من بيته واستضافني السيد توفيق كابنة له ، وبعد اصراري عمِلت عنده كخادمة كي اكمل دراستي ...
يا سيدي ... لزرقة الروح طعم بنكهة الوجع تثقل كفة الميزان ، حين توضع فوق الجسد الضعيف العاري تتزايد حِدَّتها كلما مر بنا الزمن ...
غياب السيد توفيق كسر قلبي على عتبة بيته الرخاميه كجرة فخار تمزقت اشلاءاً ... ونقلني من حلم ورديٍ كنتُ اعيشه إلى كابوس يحدث العمى ..
في ذلك اليوم شرب فنجان قهوته وخرج مبتسماً ينظر الى السماء ويقول انها صافية تناديني ، ويروق لي نداؤها ،،
ثم مر بي وانا اجلس على بوابة المنزل وقال سيعود رائد لقلبك وسيدفن في صدرك ،،
حينها انتابتني القشعريرة ، لكنني ابتسمت وقلت له ستعود للعشاء يا سيدي ؟ ،،، فتبسم في وجهي وأعاد النظر الى السماءِ وخرج ،،، ولم اتوقع غيابه ابداً ، فهو دائما يعود ،،
اجهشت ريحانة بالبكاء ،، لكن المحقق كمال حاول تهدئتها ،، مخرجاً لها ورقةً مجعدة ،، ويقول :
هذه كانت تحت سريرك آنستي !!! ...

يتبع ...
الثريا ... athouraia


10‏/04‏/2012

حي السبعينيات / الجزء الرابع





حي السبعينيات

الجزء الرابع

يدٌ قويةٌ إمتدت لكتفِ نصارِ تهُزُها و تربتُ علَيها ... يدٌ ليسَت بغريبةٍ أبداً ، لطالما كانت تربِتُ على كتِفِه ...لطالَما ضمَّتهُ واحتضنَتهُ ...
زادت ضرباتُ قلبِ نصار حتى أن جدرانَ غرفة المحقق صارت ترددُ صداها ،،
يا إلهي هل أحلُم ، هي تحملُ في البُنصُر خاتما فضياً مزيناً بحجر الزمرد ،، متردد في الإلتفات ،،خائف ،، انه هو ،،
هذا الخاتم الذي كان لعمي الشهيد وقد أهداه له والدي ،، رائحةُ التبغ ،، صوت انفاسِه ،،
أبي ،، اين كنت يا أبي ،،،
جذب السيد توفيق نصار إليه محتضنا اياه بقوة ، وضعا يده اليمنى على رأسه كما كان يضمه في صغره ،
اخذ نصار يردد لأبيه .. اين كنت يا ابي .. اين كنت .. انهم يطاردون رائد ،، وهو لم يفعل شيئا ً ، لم ينطق السيد توفيق ببنت شفه ، اكتفى بالنظر الى ولده وعيناه مغرورقتان بالدموع ، لكن نصار لم يستطع السكوت :
أبي قل لي ما ذا افعل يا أبي ، 


كانت الحروف تخرج من حلق نصار غارقةً بالدماء مع كل كلمه ، فصوته مخنوق لا يكاد يخرج ، يحاول ابتلاع ريقه كثيراً ، يرتجف وكأنه وضع في قالب من الثلح ، يبكي كطفل ولد حديثاً مصدوم بهذا العالم الذي خرج إليه .
أمسك السيد توفيق بكأس من الماء مومئا لنصار برأسه  بأن يشرب ، لكن ما ان مد نصار يده للكأس كي يشرب حتى ارتعشت يده فاندلق الماء على وجهه .
استيقظ نصار ليجد نفسه ممددا على أريكةٍ أمام مكتب المحقق كمال وفوق رأسه يقف الملازم اديب متجهم الوجه يحاول رسم العبوس على على ملامحه، إلا ان هذه الملامح اخترقتها مشاعر الشفقة على هذا الشاب اليافع الذي بدأت احجار قصره بالنزول واحداً تلو الآخر .
وتحت قدميه يقف طبيب المركز الأمني ، اسرع بالكلام ليقول إهدأ يا سيد نصار لقد وقعت وحملك الملازم اديب ووضعك هنا .
بدأ نصار يتلفت يمينا ويساراً يبحث بين وجوه الموجودين عن لمحة أمل تعيدة إلى حضن والده ، لكن دون جدوى ، حينها ايقن انه كان يهذي ، وان اباه كان في خياله فقط .
القى براسه الى ظهر الأريكة الإسفنجي ، يحاول استنشاق الهواء ، ولملمة ما بقي لديه من قوى بعد ان خارت كلها .
وضع المحقق كمال يده على ركبة نصار وهو يقول له : يجب ان نتعاون يا سيد نصار كي نستعيد والدك واخاك
-       اخي بريء يا سيدي المحقق .
-       يجب ان نجده ونثبت هذه البراءه ، ونعيد السيد توفيق الى بيته ، سأحصل على اذن بتفتيش منزلكم ، لأن هذا ما يجب البدئ به ، وانت يجب ان تعود لترتاح قليلاً .
توجه المحقق كمال إلى الملازم أديب وطلب منه ان يعيد نصار الى منزله ، فقد خاف عليه من ان يحدث له شيء في الطريق ، فقد ثقُل حملُه وخارت قواه .
وصل نصار الى البيت ، نزل من سيارة الملازم ووقف امام الباب يحاول رفع يده كي يطرقه ، ولا يزال يعلل النفس ببعض من أمل .
نظر إلى نهاية الشارع ... لا تزال عربة بائع الورد تقف هناك ، بتلك الأزهار التي كانت تزيد الحياة جمالاً .


لقد كنت في السنة الثانية في كلية الهندسه حين نجحت مرام والتحقت بجامعتي ، لكنها اختارت ان تدرس اللغات ، كم هي سعادتي حين ذاك ، وانا امني النفس بأننا سوف نذهب ونعود سوياً .
إنتهى أول فصل في الجامعه ، لم اكن سعيداً فيه فقد بدأت الشجارات تدب بيني وبين مرام ، تلك الفتاة الجميلة اليافعه ، والتي خرجت من عزلة المدارس حديثا ، وقد بدأ شباب الجامعة يحيكون المكائد للإيقاع بقلبها ،
في الفصل الثاني تعمدت وضع جدول المواد التي ادرسها متأخره او متقدمه عنها كثيراً ، وصرت اتعمد الخروج إما باكرا قبل استفاقتها او متأخراً بعد خروجها ، حتى لا اجبر أضطر لمرافقتها ، وارقبها في اوقات فراغي من خلف احدى جدران الجامعه دون ان تعلم خوفا من أن يحاول ايذائها احد أو هكذا كنت اقنع نفسي .
في تلك الجمعه استيقظت على وكز عصاة ابي في اسفل قدمي وهو يقول لي بنبع من حنانٍ في ابتسامته ( استيقظ )
قلت يا أبي اليوم الجمعه ، ولا يزال  الوقت مبكراً جداً .
عاد ابي لوكزي بعصاه ، ثم قال : قم ايها العاشق المتنكر.
قمت جالساً على السرير مشدوهاً ، عرفت ان والدي قد قرأني ( ومن غير الأب يحس بكل نبضة تنبِضُها قلوبُ اولاده )
وقف على نافذة غرفتي المطلة على الشارع وقال : تعال يا ولدي وانظر هناك الى الشارع .. وقل لي ماذا ترى ؟ ..
قمت من سريري كي اقف بجواره .. لا تزال عيناي شبه مغمضه ... لا أرى شيئا يا والدي ..
إغتاظ ابي من اجابتي المتغابية وضرب رأسي بأطراف اصابعه وهو يقول مبتسما ، دقق النظر يا ولد ..
-       ابي لا يوجد سوى عربة بائع الورد ( ابو هشام )
قهقه والدي ثم قال :
يا ولدي .. المرأة كما هي الزهرة .. تخرج من أرضها بلطف .. وتعيش بلطف ... وتموت بلطف ..
بسيطة جداً ... تسلب لبها بزهرة .. وتحيي روحها برشفة ماء ... تقيدها طوال عمرها بأرضك إن وفقت في اختيار سمادها ...
ناعمة كتيجانها ، تدمي قلبك بشوكها إن قسوت عليها .. وإن اهتممت بها ورعيتها جيدا .. أحاطتك طوال عمرك بالعطور والقبل ...
الزهر يا ولدي انواع والوان واشكال .. فالسوسن مثلا فيه الأبيض والأصفر والأسود .. ولكن لكل روح في هذا العالم زهرة تباريها جمالاً وتزيدها اكتمالاً ...
قاطعت ابي بفرح شغوف .. ابي ما كانت زهرة امي ...
-       لقد كانت زهرة النرجس ... لذلك زرعت لها حوض النرجس الكبير بجانب الأرجوحه ... فكانت تمضي فيه ايام غيابي عنها ...


-       ومرام ماهي زهرتها ..
-       انزل الى العربه .. واعرف ماهي زهرتها ..
 لم انتظر كي اغير ملابس نومي .. ركضت الى نهاية الشارع وتوقفت عند عربة ابي هشام - عربة بائع الورد - 
بقيت اتأمل الأزهار نصف ساعة كاملة ، اشم هذه .. وامسك هذه فأهيم بجمالها ... حتى ادهشتني السوسنة البيضاء .. بنعومتها ونقائها .. بتاجها الذي يأخذك في حلم الى ما فوق السحاب ..
اخذت الزهرة ووضعتها على باب غرفة مرام .. وطرقت الباب طرقات خفيفة وانطلقت الى غرفتي ... هكذا كانت اولى حكايتي مع مرام ...

يتبع ...



الثريا ...




09‏/04‏/2012

فــي جنتــك


فـي جنَّتـــك


 

لا زالت تحيط بي الدهشه ...
احاول الخروج من جنتك ..
اصبع فقط من اصابع قدمي ...
يحاول الخروج من البوابه ...
في غيبوبة انا ... بل في حضرتك ..
عطرك في كل جنباتي يحاصرني ..
وجهك مرسوم في وجهي ..
اراك في مرآتي فأهرب ..
في غرفتي .. تحت لحافي ..
اعلم انك ترتعش من برد الربيع ..
وأعلم انك في بعدي عنك اصابتك الحمى ...
أعلم انك يا سيدي لا تزال تقطف ...
لي باقات الزهور من حديقتك ...
فأنا اراها ...

الثريا 080412   




08‏/04‏/2012

ومضة ذكرى

ومضة ذكرى
 
في نقطة التقائنا وفراقنا..
وبين النسيان والذكرى ...
بين المستحيل والممكن ...
أفكر في ان اهديك شيئاً كي يبقى ...
ماذا اهديك سيدي ...
سأهديك فنجاني الأبيض ...

فكلما ارتشفت شفاهك حرارة القهوه ...
عادت بك السلوى الى ذلك المقهى ...
حيث ارتشفناها بطعم اللقاء ...
واليقين بالفراق ...
وسرعة اللحظه ...
وومضة ..  تركض مقبلة .. وثم تدبر ..
الثريا 070412    

فنجان قهوه



فنجان قهوة
مع فنجان قهوتي الصباحي .. والتي اكتست سمار بشرتك ..
تهمس لي .. احبك ..

اي جنون هذا الذي اعيشه ..
انفاسك لا تزال تتراقص التانغو مع جزيئات دمي ..
ارتعد خوفا ..

ارتجف برداً ..
تنطلق روحي المسجونة إليك ..
عبرات تخرج بلا قيود ..

احبك ..
هي في كل نبضات فؤادي ..
احبك ..

طائر حمام بري حط على شباكي من طول السفر ..
آنسني بتهليلاته ..
كسر قيود زاوية وحدتي ...
وترك فراخه لي احتضنها .. وابتعد ...

الثريا 050412    

02‏/04‏/2012

حكاية عاشق



حكـــاية عـــاشق



وسط بعض من عناد ..
 ووسط بعض من غزل ..
 وسط حب في سبات ..
 استفاق بِيَدِ الضجر ..
 أروِي حِكاية عاشقٍ ..
 عاش يحلمُ بالأمل..
 يعيُد للذكرى حنين ..
 بعد أن رُسِم القدر ..
 خَط في الكفِّ خطوطاً ..
 فما عادَ من العشقِ مفَر ..
 إبتعدنا أو إقتربنا .. ليس نحنُ إلا ..
 بعضٌ من حَكايا سوفَ يرويها القَمر ...


الثريا ..


في 020412


24‏/03‏/2012

حي السبعينيات ... الجزء الثالث





حي السبعينيات

***
الجزءالثالث



دخل نصار غرفة المحقق كمال بعد ان استدعاه وأجلسه على الكرسي امامه ، ثم بادره بالكلام .
- اعتذر عن تأخيرك كل هذه المده فأنا اعلم انك حضرت من السفر ويجب ان تستريح ، ولكن كان لدي بعض الأمور العالقة ووجب علي اتمامها ،
- لا بأس يا حضرة المحقق ، لكن هل هناك خطب ما ،
- لا تقلق ، كنت اود الحديث معك عن اخيك رائد هل تعلم عنه اية اخبار .
- نعم لقد تحدثنا في بداية هذا الشهر وكان ذا معنويات مرتفعة جداً ، فقد قرر ان يعود للوطن ،
فسألتُه : مع زوجتك واولادك ؟
كان حزينا حين قال لا لوحدي ، زوجتي رفضت المجيء لكنه كان لا يزال لديه امل بإقناعها والعودة عن قرارها ، عفوا سيدي هل هناك شيء ، اقلقتني ..
- حسنٌ وماذا عن والدك السيد توفيق ، قرأت في البلاغ انك تطلب المساعدة في البحث عنه .
- نعم لقد خرج والدي منذ اسبوع تقريبا ولم يعد ، اتصلت بي مدبرةُ المنزلِ واخبرتني بذلك ،ولم استطع ان ابقى بعيداً عن الوطن ، وانا لا اعلم عن والدي شيء .
- هل اتصلت بأخيك رائد ؟
- نعم اتصلت كما واتصلت به مدبرة المنزل أيضا لكنه لم يجبها ، وكانت زوجته دائما تقول انه غير موجود .
سكت المفتش كمال قليلاً... وأطرق برأسِه إلى الأرض .. بدت عليه علامات الحيرة .. كيف سيبدأ بالحديث عن هذا الموضوع ؟ ...
لعل التزلج على حمم بركان قد انفجر تواًّ حد الإحترق ، أقل سوءاً من اتخاذ قرار بإعلام شخص ما بخبر مصيريٍّ سيء
رفع المحقق كمال رأسه ببطئ قائلاً.. يا سيد رائد والله لا أدري كيف أدخلُ بالموضوع .... انت تعلم ان العربي في بلاد الغرب سيبقى عربيا في نظرهم ... ومهما بلغ من مناصب ...
تجهم وجه نصار وتسمرت عيناه على المفتش كمال بعبوس شديد ، وبدأ قلبُه يسرع في دقاته وكأنه في سباق مراثوني ،
اكمل المفتشُ كمال حديثه قائلاً ... بعثت لنا المباحث الفيدراليه أن أخاك من ضمنِ المشتبهِ بهم في تفجيرٍ لإحدى الفنادق الأمريكية الكبرى ، والتي ذهب ضحيتُها العديدُ من الأشخاصِ الأبرياء ، ومن مختلف الجنسياتِ والديانات ... وهم يبحثون عنه لأنه اختفى منذ تلكَ الحادِثه .. وقد طلَبو مِنا ان نتعاونَ معهم في إيجادِه إن كان داخلَ البلاد ، او دخلَ إليها عبر طريقةٍ غيرِ شرعيه ،

ومن منطلقِ حرصنا على أمانةِ وسلامةِ مواطنينا ، وأمنِ وسلامة بلادِنا ، حاولنا البحثَ عنهُ والتدقيقَ في كلِّ من دخلَ إلى البلادِ عبر كل الطرق ، البرية والبحرية والجوية ولم نعثر على اية خيوطٍ له ، ولذلك أتيتُ مع زميلي المملازمِ أديب لسؤالِ السيدِ توفيقٍ عنه لكنه يكن موجوداً،

****

تسمر نصار على الكرسي في مكانه مشدوهاً ... دخلَ في حالةٍ من الهذيان ..عقلٌ فارغٌ تماماً... غيرُ مصدقٍ ما يحدُث ...محدقاً بالمحقق ... دون أن يرمِش ...
تياراتٌ من الهواءِ آتية من النافذةِ أدمَت مُقلتيه ... تمنى الموتَ في هذهِ اللَّحظه .. لكن " دائما هناك خيطٌ دقيق يفصلُ بين الحياةِ والموت نتشبث به ولا نستطيع اجتيازه بملئِ إرادتِنا "... تَشردَق بالحرف ... والماءُ لم يعُد يُجدي نفعاً لإسعافِه ...
بالرُّغم من وجهِ المحققِ المتجهمِ والجدي .. ومن عدمِ معرفتِه المسبقةِ بِه.. إلا أن نصَّار  كان يُمني نفسَه  أن تكون هذهِ الأخبارُ مداعبة من المحقق .. او حتى كميرا خفيه ...
بدأ نصار يتمتم ...
ما اسرعها سنواتِ العُمر .. تمضي بِومضة دون أن نُدرِك أنهَّا مضَت ... وفي السابقِ كُنا نراها بطيئة ونتسائل متى سوف نكبر ؟،
- كان لدى كل منا انا ورائد مزمار ، أحضرهُما والدِي من إحدى أسفارِه ، فقد كانَت كلُّ أشيائِنا مُتشابِهة ... وكُنا ندورُ به حولَ البيتِ نضحكُ ملأَ حناجِرنا ، ونعزفُ عليهما ضجيجاً يغري العصافيرَ والحمائِم بالتحليقِ ، والخروج من أعشاشِها كي تتراقصَ معناَ في فضائِها الواسع ، وكانت ام سعيد تبتسمُ وهي تنادِي علينا قائلةً : لقد ازعجتم الأرضَ فهربتِ الطيور ...
ولا نأبه لما تقول ونحن من يسعى للتحليق ...
في ذلِك الشتاءِ حُبِسنا خمسةَ أيامٍ لم تظهر فيها الشمسُ أبداً كي تداعِبنا ، وكانتِ السماءُ تَحتضنُها الغيومُ السوداء الماطره ،ونحن نجلسُ بالقربِ من النافذة طوال اليومِ ننتظرُ انقشاعها.. وابي يجلس على كرسيهِ  .. وفي فمهِ الغليون.. قارئاً للجريدة متيماً فيها فهو يضحكُ أحياناً ويبكي أحيانا ... ويغضب احياناً ... وإن ناظرنا ابتسم ... وفجأةً جاء ابو ربيعٍ كي يبلغ ابي عن وجودِ زوجةِ عمي في بيتِنا وكانت معها مرام ابنتُها ...
قطب والدي حاجبيه ثم اتجه لاستقبالِها، وأنا ورائد ركضنا خلفه نتلصصُ من خلفِ الباب ، كانت معها حقيبةُ سفرٍ كبيره .. في بادئ الأمر كنا  نتراهنُ أنَّها تحوِي الكثيرَ من الألعابِ والحلوى ..
انحنت زوجةُ عمي على ابنتِها مرام ثم همست لها ...فاتجَهت مرام نحو البابِ تركضُ بفرح.. وهرعناَ أنا ورائد مبتعيدينَ عن البابِ خوفَ ان يلمحنا أبي ..
خرجت مرام من الباب تنظرُ إلينا وهي تبتسم ... ثم بسرعة مدهشة قالت الا تريدونَ اللعب ؟ ( كانت مفعمةً بالحياة ، يشع من عينيها بريقُ يجعلُ القلبَ يبتسم ) .. نظر كل منا إلى الآخر .. لا جدوى من استراقِ النظرِ والتنصت فقد كان الصوت خافتا ..ومرام معنا .. عدنا الى الغرفةِ كي نلعب ..لقد كنت اكبر من مرام بسنة ورائد اكبر مني بسنتين ..لعبنا كثيرا .. لكننا لم نستطع مقاومة فضولنا في معرفة ماذا يوجد في الحقيبه ، فسألنا مرام عن ماهيتِه .. ضحكت وقالت لعبتي وملابسي .. فسألها رائد : هل ستسكنينَ عندنا ؟ ..
قالت :لا ، أمي قالت لي أنني سأقضي الإجازة عندكم ،لأنكم اولاد عمي وسوف أعود إليها ...
لم نهتم كثيراً لما سوف يحدث ، فالأطفال همُّهم الوحيد عند وجودِ طفلٍ جديد في البيت ، هو اظهارُ كل ألعابِهم ، وكل مواهبِهم التي لاتنتهي ، لإستِثمارِها في اللعب ، ومن أهمِّ هذه المواهبِ تعريفُ الضيفِ الطفلِ بكيفية إتلافِ شيءٍ ثمينٍ ومخبئٍ في البيت...
لم تمكُث أم مرام بزيارتها لبيتنا طويلا ، حتى أنَّها لم تشرب قهوتها وتركتها لا تزالُ ساخنة ...وفي أثناءِ خروجِها نادت على مرام واحتضنتها بقوة ثم قبلتها
وهمست بأذنِها : كوني ابنةً مطيعه ، ثمَّ خرجت والدموع تغسلُ وجهها الحزين ، لكن مرام لم تبكِ ، فقد كانت تتوقع أنَّها ستكونُ إجازة مسلية ، لا سيما أنها كانت تحبُّ أبي كثيراً ،
أمسك والدي بيدِها وأجلسَها على حِجرِه ، ثم قال لها : يا نحلتي الصغيرة ، منذُ أن وُلدتِ وأنتِ فردٌ من هذهِ العائِلة  ولكنك كنت بعيدة قليلاً ، أما ليوم فقدِ إجتمعَ شملُنا وهاهي الشمسُ تشاركُنا بفرحٍ فتبددُ بأشعتِها الغيوم ،
 توقَّف المطرُ وخرجنا كالمساجينِ الذينَ فُكَّ أسرُهم ، نركض متدافعين الى الحديقة ... ذهبت مرام الى ابي كي تجلس معه على الأرجوحة ، وأنا ورائد نتراقص بخفةِ بينوكيو ، ونعزفُ للعصافيرِ سمفونياتِنا المفضلةِ من مزاميرنا  ،
وصلنا إلى شجرةِ الكينا .. لقد بنت عليها الحمامةُ البريةُ عشاً ، وصوت زقزقة صغارها الجائعة تشاركُنا عزفنا ، وضعت مزماري على الأرض .. وتسلقتُ الشجرة .. ورائد يناديني بأعلا صوته ، (دع الصغار يكبرون بسلام ) ،
كنت أريدُ رؤيةَ عُشِّها ، لكنني ترنحت وكدت أقع على الأرض ،ركض الي اخي رائد بلا وعيٍ كي يلتقِطني ، وداس على مزماري فكسره نصفين ،
كلانا سمِع صوت كسرَ المزمار ، لكن رائد أسندني إلى الشجرةِ و ركضَ الى المزمار ، فأخذ مزمارهُ وقال مبتسماً : اوه لقد كسرت مزمارِي ..
قلت : هو مزماري ..
قـال :  لا لقد ركضت إليك وألقيتُ مزماري بجوارِ مزمارك فتدحرج أمامي ولم أنتبه فكسرتُه ،
لقد كان رائد حنونا جدا ..مأثاراً ،،،
يا سيدي المحقِّق .. رائد ليسَ لهُ علاقةٌ بما حدث .. رائد كان يبتعد عن بيوتِ النملِ حتى لا يدوسَها...انا متأكدٌ أن هُناك لبسٌ في هذا الموضوع .. أخي بريءٌ برائةَ الذئب من دم يوسف  ..
ابتسمَ المحققُ كمال وفي عينيهِ دمعةُ مشفقةً على هذا الشاب ،  ثم قال : يجب ان نتعاونَ كي نثبِت هذا ،
أطرقَ نصار بِرأسِه إلى الأرض ..
أبي أين أنت ؟ ، أحتاجُك ،أحتاجُ توجيهاتِك ، أينَ أنت ؟، هذا فوق ما أستطيع احتماله ..
يدٌ قويةٌ امتدت لكتفِ نصارِ تهُزُها و تربتُ علَيها ... يدٌ ليسَت بغريبةٍ أبداً ، لطالما كانت تربِتُ على كتِفِه ...لطالَما ضمَّتهُ واحتضنَتهُ ...
زادت ضرباتُ قلبِ نصار حتى أن جدرانَ غرفة المحقق صارت ترددُ صداها ،،
يا إلهي هل أحلُم ، هي تحملُ في البُنصُر خاتما فضياً مزيناً بحجر الزمرد ،، متردد في الإلتفات ،،خائف ،، انه هو ،،
هذا الخاتم الذي كان لعمي الشهيد وقد أهداه له والدي ،، رائحةُ التبغ ،، صوت انفاسِه ،،

أبي ،، اين كنت يا أبي ،،،


يتبع ...




الصور من رسومات الفنان Fabian Perez