05‏/05‏/2012

حي السبعينيات ... الجزء السادس


حي السبعينيات

الجزء السادس




~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

اجهشت ريحانة بالبكاء ،، لكن المحقق كمال حاول تهدئتها ،، مخرجاً لها ورقةً مجعدة ،، ويقول :
هذه كانت تحت سريرك آنستي !!! ...
توقفت ريحانه عن البكاء .. ورفعت رأسها فجأة محاولة التقاط الورقة من المحقق .. الا ان المحقق فتح الورقه وبدأ يقرؤها بصوته ،
(( قرأت فيما قرأت ان للغبار فائدة كبيره .. فهو يقتل كل الجراثيم التي تلفظها الأرض عن نفسها في فترات تقلب الفصول .. فتصيبها في مقتل إما في العين .. او الرأس .. أو ... أو ...
وقد بدأ فصل الربيع عندي ويجب ان أنفض عني جزيئات جمه .. وانتقم لموتك يا والدي ...
يجب ان اقتله واريح قلبي المجهد من خوف لا يزال يطاردة ، كلما أطل علي هذا الـ .... من تلك الزواية ..
كم هو مقزز ... مسرف في التعالي علي ... وكأنه ينتقم مني كلما أطل برأسه ، واغتصب مني دمعي ...
لكنني اشعلت الشموع والبخور كي يرحل !! ... ماذا يريد مني أيضاً ... أو تُراني باحتلالي لهذه الغرفه ، اغتصبت موطنه الذي كان يلجأ إليه بعد ان يلوث اجزاء البيت كاملة بقدمية ، وينشر الطاعون في غذائنا ...
هذه هي ليته الأخيرة هنا ... سئمت من خوفي .. لقد وجب علي ان أقتل خوفي وأقتله ))





ابتسمت ريحانة وهي تقول .. نعم لقد قتلته .. قتلت خوفي الذي لازمني منذ ان دخلت هذا المنزل ... ثم انفجرت ضاحة وهي تقول ..
لم اكن اعلم ان هذه الورقه ستكون سببا في ادانتي وتحميلي وزر غياب السيد توفيق ...
طأطأت برأسها ووضعت يديها بين فخذيها ، وبصمت استدركت ماكانت تتحدث به :
أفرد لي السيد توفيق تلك الغرفه .. وفي الليل استيقظت على عينين تتطايران شرراً تروح وتجيء تتمشى على حافة السريري ، فحسبت والدي بعث لي بالشيطان كي يقتلني ...، نهضت باكية خائفة لا استطيع الصراخ .. وكأن حبالاً قيدتني إلى السرير الذي انام فيه ..
ثم اخذَت هذه العينين تتقدم إلي بخطاً ثابته لا تردد فيها ..
شيء ما أوقعني ... ربما هي قدماي اللتين تحركتا بدافع الخوف المحض ، فانطلقت وقلبي يغادر أضلعي الى مقبس الضوء كي انير الغرفه ... وبسرعةٍ إلتفتُّ الى السرير ، لكنني لم أجد شيئاً ، فوقعت على الأرض منتحبةً باكية ألوم أبي ، وأسأله لماذا فعل بي هذا ؟ ... ما الذنب الذي اقترفته ؟ ،،
 وهكذا بقيت طوال الليل اجلس في زاوية الغرفة متوجسة خيفة أن يعود الي ذلك الشيطان ،،





بقيت على هذا الحال ثلاثة ايام ، كلما اطفأت ضوء الغرفة انتظر نومي كي يأتي إلي متلذذاً بنكهة الخوف التي تفوح من عينيَّ حين اراه .. واركض الى القابس ... إلا انني بعد ذلك قررت ان اتعرف بذلك الشيئ الذي لا يعرف الرحمه ... فبقيتُ طوال الليل مستيقظة في زاوية الغرفة انتظر ظهوره ،، كي اكتشف انه فأر كبير .. حين رآني قد اشعلت الضوء ركض الى جحره ،،



لم استطع البوح لأحد عن سر هذا الفأر .. فقد خجلتُ من ذلك الرجل الذي حماني وخفت أن أزايد عليه في حَملِ هم آخر لي ..
لكن خوفي من الفأر لم يتوقف بمعرفتنا الشخصية ببعضنا ، فقد ازدادت حدة عدائنا بعد ان اتى ذلك اليوم الذي علمت فيه ان ابي توفي اثر عضة فأر ... وأضمرت الإنتقام لوالدي ولخوفي ...
كم من الشوكِ يصلُ أجسادَنا حين نُمسِك بثمرةِ الصبار ... لكنَنا في النهايةِ يجب أن نحصُل على لُبِّها العسلِيّ ...





أخذ نصار يطوف في حديقة المنزل ، ثم جلس على الأرجوحة يتأمل النرجس ، شارد الذهن مبتسماً .. يحدث قلبه بأحاديث لا يسمعها سواه ..
بعضٌ من الساعةِ مرت ونصار على هذا الحالْ ، قبل ان يقف منتفضاً .. يردد ( كيف غابت هذه عن ذهني ؟ )
... ويركض الى خارج المنزل متجهاً إلى نهايةِ الشارع ... كي يقف امام ابي هشام بائع الورد يسأله وهو يلهثُ ..
(يا عمي هل مر والدي بك قبل بضعة أيام ) ..
نظر ابو هشام على نصار مبتسما ... نعم يا ولدي .. وكانت علامات السعادة تخط في وجهه طريقها ، ثم اخذ كل زهور النرجس التي لدي واتجه كما العادة غربا
لم يعتد السيد توفيق على اتعاب حنجرته بالأحاديث المطولة .. فابتسامة واحدة منه كفيلة بأن تحدثنا بألف قصه  ...






غربا !! ... حيث ترقد امي ... لم يزر نصار بيت الأموات - هكذا كان يسميه - منذ ان توفيت والدته .. كان يخاف منه ... ويحس بالفزع كلما تذكره .. فلقد اختطفها الموت وأسكنها بيته ، ولم ينعم بحضنها كباقي الأطفال في سنه .. ولأول مره سيخطو باتجاه الغرب ..
حين نجبر على السير في طريق كنا نراه مظلما.. مخيفا ، نكون كطفل تعلم المشي حديثا ... فنمشي خطوة ونقع الف خطوة  ... لكننا نجاهد في المسير لأننا خفنا من امتداد الظلام الى باقي مملكتنا ...
بدا نصار مترددا في بادئ الأمر،  الا ان مرام التي سارت خلف زوجها بدأت  تشد على يده وتخطو معه أولى خطواته الى الغرب ...
توقف نصار على باب المقبرة ... ثم نظر الى مرام قائلا :
على باب المقابر تكمن الرهبة الحقيقية ... فإما ان نكمل المسير او نقف متسمرين في مكاننا ...





نظر الى داخلها ... قلبه ينادي امي اين ابي ؟ .. هو لا يسمع صوتا .. فقط صوت الهواء يخترق آذناه ( اشتقتك ) ... ودموع الفراق تجرح وجنتاه ... وشيء ما يدفعه الى الأمام .. لكنه يعود الى الخلف ...

تقدم منه رجل كبير في السن .. وكأنه قد استحم ببعض الغبار .. وفي دخيلة نصار رجفه .. ( أهو احد الأموات الذين خرجو من قبورهم ؟ )
- انا الحانوتي يا ولدي ... ماذا تريد ..
جمع نصار ما تبعثر من صوته ، وسأله عن قبر امه .. فتبسم الحانوتي قائلا .. أأنت ابن ذلك الرجل صاحب البنفسج ؟ ... يحق لك ان تفخر بوالدك يا ولدي .. لقد حضر قبل ايام الى هنا وغمر القبر بورد البنفسج وجلس يتحدث اليه ساعات طوال على غير عادته ، ثم خرج ...



أخيراً اتت نصار الشجاعة على صهوة جواد ابيض مجنح - هو شوقه لمن حملته في احشائها تسعة اشهر - .. وقف امامه كي يمتطيه مع مرام ويتقدم .. تتسارع النبضات متعالية بصوتها كطبول الحرب ..
وقف امام القبر صامتاً ... شفتان مرتجفتان ... عينان تدمعان .. وجه شاحب ... ساقا رجل تجاوز المئة عام ...
نزل جاثيا على ركبتيه ممسكاً تراب القبر ... يعاتبه في صمت - انت اخذتها مني -
وضعت مرام يدها على كتف نصار وجلست بجانبه تتمتم بالدعاء وبعض الآيات بصوت يسمعه هو ... فيتسربل همه الى قلبها ويردد معها تمتماتها ...


يتبع ...   


الثريا   

ليست هناك تعليقات: