18‏/04‏/2012

حي السبعينيات الجزء الخامس




حي السبعينيات الجزء الخامس



إلتفت نصار الى باب المنزل .. ورفع ظهره المنحني .. محاول طمأنة نفسه قائلا .. سيعود كل شيء كما كان بل افضل ..
طرق البابَ ليفتح له ابو ربيع باب المنزل قائلا حمداً لله على سلامتك يا سيدي ...
هز نصار رأسه .. ومضى .. حيث استقبلته ام سعيد قائلة .. اتشرب فنجاناً من القهوة يا سيدي ام انك يجب ان تصعد غرفتك فترتاح قليلاً ...
نظر إليها نصار صامتاً ... محتاراً ... شارد الذهن .. فهو يرى حركة شفاه ام سعيد فقط ... لكنه يحاول استرداد ذبذبات صوتها بسؤاله عن زوجته ..
طمأنته ام سعيد بأن مرام نائمة الآن في غرفتها ، تحاول نيل قسط من الراحة ..
اتجه نصار الى الطابق العلوي ، ثم طرق باب غرفة مرام ودخل .. صمت مطبق على المكان .. وضع رأسه على صدرها محاولاً اغلاق عينيه عله يدخل في اغمائة يستيقظ بعدها ليجد والده بجانبه .



دخل وقت المغرب .. واستيقظ نصار على همس زوجته بأن ينزل إلى غرفة الطعام كي يأكل ، فهو لم يذق الطعام منذ البارحه .. احضرت ريحانة قدر الحساء كي تسكب منه في صحن نصار ... فرفع نصار عينيه مندهشاً وبدأ يتأمل وجه ريحانه ..
لم تستطع ريحانة الوقوف طويلاً  ، فأصابتها إرتعاشة جعلت من دموعها المختنقة تندفع كشلالاتِ نياجرا ، وخرجت تركض من الغرفة .
التفت نصار الى مرام متسائلا عما يحدث هنا ..
 قالت مرام : لقد سألت ام سعيد ،فقالت ان والد ريحانة قد اضاع ماله وبيته في القمار والخمر، ثم اتفق مع احد الدائنين ان يزوجه ابنته مقابل ان يتنازل عن دينه ، لكنها هربت الى منزل عمي ، فاحتضنها ومنع اي احد من الإقتراب منها ... وبعد وفاة والدها بيع منزلها للدائنين فبقيت في المنزل تعمل ، وتحاول اتمام دراستها .



هز نصار رأسه وهو ينظر إلى صورة والدة المعلقة على الجدار -  وحزن عميق قد زاد في قلبه الوجع -  ثم اخذ الملعقة وسكب لنفسه .
 مسكينة تلك الفتاة .. لقد احبها رائد كثيراً .. لكن والدها رفض تزويجه لها .. فأضاع كل منهما الآخر ،  وهاهي تعود إلى منزلِنا ولكن رائد لم يعد فيه .. كم أُشفق عليها..
اتذكر رائد وهو يتسلل خلف المنزل حافي القدمين ، يحمل حذاءه تحت إبطه ، ويصعد على السلم الخشبي فيتحدثان من فوق الأسوار .. في ساعات الفجر الأولى ، وقبل أن يستيقظ والدُها ،، كان أبي يعلم ،، ويتصنع الجهل بهذا وهو يبتسم ،،،
ابتسمت مرام وهي تقول .. اتذكر حين اتانا السيد نبيل غاضباً ، يطرق الباب بقوة افزعت كل من في المنزل ؟..
وخرج له عمي ، مكفهر الوجه يسأله عن سبب صراخه ، فقال :
احد اولادك يا سيد توفيق وضع حذائه فوق سور منزلي ، فما هذا الإحترام والأدب الذي يقطر منهم؟ ،
حينها صمت عمي وحاول كظم غيظه ، ثم ابتسم قائلاً ، انا اعتذر نيابة عن اولادي ، ولكن ما ادراك انه لأحدهم  ..
-       لقد وجدته على الحائط الذي بيني وبنك .. ولا اظن ان احداً يسكن غيرك هنا ..
فأعاد عمي الإعتذار له ودعاه ليشاركه فنجان قهوه ، وبعد خروج السيد نبيل ، توجه عمي إلى غرفة رائد حيث كان مختبئا يدعي الدراسه ، وأغلق الباب عليهما ...
ضحك نصار حينها وقال نعم .. واخذنا نسترقُ السمع أنا وأنتِ من خلف الباب دون جدوى .. لقد كان صوتهما خافتا جداً .. ورغم محاولاتي مع نصار كي يقول لي ما جرى بينه وبين والدي .. إلا انها كانت كلها تبوء بالفشل ... 



قاطعت ام سعيد نصار وهي تقول : اعتذر يا ولدي ولكن ذلك المحقق كمال والرجل الآخر قد عادا ثانية .
انتصب نصار عن كرسية واقفا ثم خرج من الغرفة متجها الى غرفة الإستقبال مسرعاً ، يتضرع الى الله ان يكون المحقق وصل لشيءٍ ما ..
-       اهلا بك سيدي المحقق ، طمئني هل وصلت الى شيء
-       يبدو ان رائد لم يخرج من الولايات المتحدة الامريكية ابداً ، لأنه إلى الآن لم يتم العثور على اي مشتبه به يحمل اسمه او أياً من صفاته ، وقد احضرت اذنا بالبدئ بالتحقيق وابتداء التفتيش في منزلكم .
-       نعم يا حضرة المحقق ابدأ منذ الآن ارجوك ، نحن بخدمتك
احضرت ريحانه القهوة وقدمتها للمحقق كمال ، كانت يداها ترتجفان وكأنه قد اصابها مرض ما ، فانسكبت القهوة على بنطال المحقق ، الذي انتفض مبتعدا ، فلم يتأذى من القهوة سوى الجزء السفلي من البنطال .
اخذت ريحانة تحاول الإعتذار عما بدر منها وركضت الى المطبخ كي تأتي بما ينظف الأرض ، واما عن المحقق فقد استدرك ما حدث بسرعة قائلا لم يحدث شيء دعونا نكمل ... ناظراً الى الملازم اديب كي يتصل بعناصره الموجودين في الخارج ويأمرهم بالدخول ،
بوجود عناصر الشرطة امام المنزل تبدد الهدوء الذي كان يسكن اروقة حي السبعينيات ودخلت القلاقل الى الأفواه مع انتشار للخبر بسرعة البرق ، وإضافة بعض من التوابل الهندية الحارة عليه طبعاً ،،
طلب المحقق كمال من سكان المنزل الخروج الى الحديقه كي يستطيع التفتيش بهدوء ودون تدخل احد ...
وبين الفينة والفينة كان يستدعي احد افراد المنزل ... كي يبدأ التحقيق معه ..
لم تزد ام سعيد على ما قالته في اول مرة شيئاً ، ولم يتغير كلام ابو ربيع ابدا  ..
حين تمر بحياة الإنسان مأساة ما ... فإنه يعاني امرين .. اما السبات مع اصحاب الكهف سنين ... او العيش في سماء ادريس الرابعه ...
استدعى المحقق كمال ريحانة كي يبدأ الحديث معها ... لكن ريحانة كانت طبول قلبها تقرع ..
حاول المفتش كمال ان يبعث في روحها الطمأنينه لكن دون جدوى ..



قاطعت محاولاته وقالت :
كان السيد توفيق اباً حنونا جداً علي ، بعكس ابي الذي اتيت من نسله ، وحين كنت صغيره كنت احب رائد كثيراً ، وأرى فيه نسخة والده ، وأشم رائحة الحنان الذي غرسه في ابنائه ... وحين كبرنا اتفقنا انا ورائد على الزواج ، ولكم كانت سعادتي حين كانت تمر من امامي ملامح ايامي القادمة في بيت السيد توفيق ، وفي وسط حديقة ازهاره ، إلا ان ابي قتل هذا الحلم في قلبي ، ورفض زواجي برائد رفضاً قطعياً ، ولم يتقبل اي محاولات من السيد توفيق في جمعي بإبنه
في بيتنا يا سيدي يمنع النقاش منعاً باتاً ، وما يقرره ابي هو ما سوف يحدث ... في بيتنا لا وجود لصندوق المقترحات ،  ولكن يوجد الكثير من سلال المهملات ..
في بادئ الأمر كان يتعلل بأنني يجب ان اكمل دراستي واساعد امي .. لكنه انقلب علي بعد وفاة أمي بيومين وكأنه كان ينتظر هذه اللحظه ، فمنعني من الجامعه ، ومن ثم أبرم اتفاقاً على بيعي لرجل يكبرني بكثير مقابل ان يسامحه بما يدين له به ويعطيه مبلغا من المال ،

ولم يكن امامي من حل سوى الهروب الى منزل السيد توفيق ، الذي حماني بعد ان  أن أبلغ المركز الأمني عنه وعن افعاله ، فتحررت من بيته واستضافني السيد توفيق كابنة له ، وبعد اصراري عمِلت عنده كخادمة كي اكمل دراستي ...
يا سيدي ... لزرقة الروح طعم بنكهة الوجع تثقل كفة الميزان ، حين توضع فوق الجسد الضعيف العاري تتزايد حِدَّتها كلما مر بنا الزمن ...
غياب السيد توفيق كسر قلبي على عتبة بيته الرخاميه كجرة فخار تمزقت اشلاءاً ... ونقلني من حلم ورديٍ كنتُ اعيشه إلى كابوس يحدث العمى ..
في ذلك اليوم شرب فنجان قهوته وخرج مبتسماً ينظر الى السماء ويقول انها صافية تناديني ، ويروق لي نداؤها ،،
ثم مر بي وانا اجلس على بوابة المنزل وقال سيعود رائد لقلبك وسيدفن في صدرك ،،
حينها انتابتني القشعريرة ، لكنني ابتسمت وقلت له ستعود للعشاء يا سيدي ؟ ،،، فتبسم في وجهي وأعاد النظر الى السماءِ وخرج ،،، ولم اتوقع غيابه ابداً ، فهو دائما يعود ،،
اجهشت ريحانة بالبكاء ،، لكن المحقق كمال حاول تهدئتها ،، مخرجاً لها ورقةً مجعدة ،، ويقول :
هذه كانت تحت سريرك آنستي !!! ...

يتبع ...
الثريا ... athouraia


ليست هناك تعليقات: