20‏/12‏/2011

حالةٌ مِن الطرحِ النَّجمِي



حالةٌ مِن الطرحِ النَّجمِي






لفيفٌ من الأوراقِ التي تساقَطت من إحدى الأَشجارِ ، في  ذلك الشارعِ الذي يربطُ بين مكان عمَلي والعالم ...
أوراقٌ صفراء يابسة ، يُحرِّكُها الهواءُ فيتلاعبُ بجاذبيةِ الأرضِ لها ، ليعيُدَها إلى الأرضِ تارة والى مداراته تارةً أُخرى ، تعبثُ بِها  جُزيئاتُه فتتغلغلُ من خلالِ تِلك الثُّقوبِ التي تَحملها .

توَقفَت قدمايَ عِند هذا المنظَر ، إعصارٌ بسيطٌ جدا ، مكونٌ من الأوراقِ والهواء ، في بادئِ الأمرِ اشفقتُ على  تِلك الأَوراقِ اليابِسة  كيف تقاذفَتها أمواجُ الهواء ... ولكِنني ما لبثتُ بُرهةً حتى حسدتُها على طيرانِها وتحليقِها، وربَّما أيضاً حسدتُها حينَ صارَ الهواءُ يأخذُ بعضاً من جزيئاتِها معَه ...


شيءٌ ما جعلنَي استيقظُ على احتواءِ الهواءِ والأوراقِ لي ، وأخذي على جناحِ الطيفِ إلى حيثُ لا جاذبية ... ولا مدارات ... ربما هو صوتُ همسِ العصافير ، أو صفيرِ الرياح المنسابةِ برقةٍ على وجنَتي ْ.
قدمانِ حُرَّتان تلوحان  ... لا ارتِكاز ...
وقلبٌ بدأ ينبضُ مسرِعاً خائفاً حينَ رأى نفسهُ عائماً بين ذراتِ الهواء ...
وعينينِ تدمعانِ خوفاً حينَ ألقَت النظَر إلى الأَسفل ...حيث مايزال الجسد متسمراً في مكانه ...

لكنْ سرعانَ ما بدَّدت كل هذا ابتسامة ، ٌخرجَت من الروح ، فدغدغ الهواءُ خاصِرتي بورقة ليُخرج تِلك القَهقَهةِ المجنونة ،
ورفعَ ذراعاي يريدُ مِنهما الإنطِلاق ... هنا لا يوجدُ وزن للأَشياء ... نظرةٌ واحدةٌ اليها تكفي كي تأتيني تركض وتستقر في راحتيّ ... 


من الأَعلى كل الأشياءِ صغيرة ، والشجر الأخضر يلتصقُ بالأرضِ ، وكأنَّه يُجَالسُ الشَّوارِعَ والنَّاس والسياراتِ ، يَفتعلُ الحركَة معَ نسماتِ الهواء ، كي يداعب أحد المارة  العابسين ، فيسقط إحدى أوراقه فوق رأسه علهُ يَبتسم  .

وطفل يشاكسُ قطة ، فتحاول اخافته بمُوائها الشديدِ وانيابِها الحادَّه ، فيخاف قليلاً ويتراجع ، ولكنَّه  لا يتوبُ فيعودُ إليها ،

هناك على ناصية الشارع متزوجانِ  يتشاجران - عرفت ذلك من الخاتمينِ في اصبعيهما - يلتفّ كلٌّ منهما بوجههِ عن الآخر ، والإلتفاف موجع للرقبه ، فيبدآن باختلاسِ النظرِ الى بعضِهِما ، وتفتعلُ هي وضعَ يدِها في حقيبتِها ، الملاصقة لهُ كي تلامس ذراعه ، وخفقان قلبيهما يصل صوته عبر جزيئات الهواء إلي، هو يبتسم وهو ينظر الى الجهة المعاكسة ، لكنه يعيد العبوسَ كي ينظر اليها ووجهه يأبى إلا ان يبتسم .
 
 
 
وبائعٌ متجولٌ يقطُرُ جبِينُهُ عرقاً ، وقد بانت تجاعيد وجهِه ، يجرُّ عربتَة التي تمتلأ بالفُستُقِ والمكسَّرات ، ويمرُّ بسيارةٍ فارهةِ الفَخامة متوقفة عند الرَّصيف ، فيمتدُّ رأسُه إلى سائِقِها يعرِضُ عليه شراءَ بعضِ الفستقِ المحمص على الفحم ، ولكن السائق أومأ له بالرَّفض ، فيفتعلُ الصغيرُ المدللُ ذو الثلاثِ أو الأربعِ سنوات ، والجالس في الكرسي الخلفي البكاء ، متمتماً ببضعِ كلماتٍ يطلب بها الشراء ، ترتسمُ على وجه البائع ابتسامةٌ ذات حنان ، ويمد يده الى الصغير بكيسِ الفستقِ ويمضي ، لكن السائق ينزل مُسرعاً الى البائعِ يشكرُ لهُ صنيعهُ ، ويتعذَّرُ بعادةِ الأطفالِ في أنهُم لا يرونَ شيئاً الا وأرادوه ، ثم يضع في يده ورقةً نقدية ، ويلتف عائداً تاركاً البائعَ وقَد بَرُقت أساريرُ وجهِهِ رافعاً رأسهُ إلى السماءِ شاكراً الرزاق الكريم .

(( فرسمُ إبتسامةٍ على وجهِ طفلٍ لها لذةُ طعمِ العسلِ المصفَّى ، الخارجِ لتوهِ من بيوت النحل ))

أعيد النَّظر إلى ذلِك الجسدِ المتسمِّر هُناك ، أسمعُه يُناديني و قَلبي ينبضُ مشتاقاً إليه ، ولكنَّني لازلت أريدُ الإبحار ، وهو يشُدني لا يريدُ منِّي الإبتِعاد ، إِشتاقَنِي - ويحي مِنك يا سيدي كم اشتاقُك - بلهفةٍ اعودُ إليهِ وأنا احدث نفسي قائلة... سأعيد الكرة مرةً اخرى .

في 191211 الساعة 3.30 عصراً


ليست هناك تعليقات: